Menu

استشهاد المقاومين الخمسة في نابلس سيلهب نار الانتفاضة والعدو سيعض على أصابعه أولاً

عليان عليان

العملية الاجرامية العسكرية الإسرائيلية الواسعة، التي أقدم عليها العدو الصهيوني فجر الثلاثاء الماضي، بمشاركة مئات الجنود الذين اقتحموا البلدة القديمة، بأرتال من المدرعات والآليات، واستخدم فيها العدو مختلف صنوف الأسلحة والطائرات المسيرة والقناصة وأسفرت عن استشهاد ثلةً من أبطال عرين الأسد، بعد أن قاوموا  قوات الاحتلال  بشراسة منقطعة النظير في أحياء البلدة القديمة لمدة أربع ساعات متواصلة، استهدف العدو من خلالها مسـألتين رئيسيتين هما: ( أولاً) ترميم حالته المعنوية المنهارة بعد سلسلة من العمليات الناجحة للمقاومة، وأبرزها عملية حاجز شعفاط وعملية مغتصبة معاليه أدوميم اللتان نفذهما البطل "عدي التميمي" بفدائية هائلة باتت محط اهتمام العالم أجمع، وهو يرى بالبث الحي هذا المقاتل الأسطوري، يقاتل حتى الرمق الأخير رغم اختراق مئات الرصاصات لجسده الطاهر.

(وثانياً) أن هذه العملية الإجرامية، والعملية التي سبقتها باغتيال القيادي في "عرين الأسود" تامر الكيلاني، استهدفت السعي لتحقيق كسب انتخابي لرئيس وزراء العدو "يائير لابيد" في الانتخابات المقبلة للكنيست الصهيوني في تشرين ثاني (نوفمبر) القادم في مواجهة زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو.

لقد فات العدو أن يدرك مجدداً، أن ازدياد وتيرة القتل في صفوف شعبنا، لم تثنه عن مواصلة الكفاح، بل تزيده إصراراً على التمسك بأهدافه الوطنية، فخلاصة التجربة مع الاحتلال منذ عام 1967 تقول: "أن هناك علاقة طردية بين ازدياد عمليات القمع وازدياد عمليات المقاومة ضد الاحتلال"، وفات العدو الصهيوني أن يدرك أن الجيل الحالي أكثر تمسكاً بالأهداف الاستراتيجية من الجيل السابق. فالعدو الصهيوني بات في حالة ارتباك دائم  - رغم حشده نصف جيشه في الضفة الغربية- ولا يدري أين ستكون الضربة التالية للمقاومة، لدرجة أعلنت فيها عدد من المستويات الاعلامية والأمنية الصهيونية، بعدم وجود مكان آمن في الكيان الصهيوني وفي الضفة الغربية، وأن "عرين الأسود" حالة تنظيمية عسكرية غير معهودة في حسابات العدو، ولا تعرف هيكليتها القيادية، ناهيك أنها تحولت من حالة إلى ظاهرة تقض مضاجع الاحتلال حسب تقديرات الخبراء العسكريين الصهاينة، وأن هذه الظاهرة باتت غير محصورة في منطقة نابلس، بل باتت تتحرك في عموم فلسطين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. وما يقض مضاجع الاحتلال أيضاً في هذه المرحلة عدة عوامل أبرزها ما يلي:

أولاً: حالة التكامل النضالي بين كتائب المقاومة في جنين ونابلس وطوباس وطولكرم وقلقيلية، وبين عرين الأسود وكتائب شهداء الأقصى وأبو علي مصطفى وسرايا القدس والقسام في رام الله والبيرة والقدس وبيت لحم والخليل، وفي مخيمات جنين والدهيشة والعروب  وعايدة والجلزون والأمعري وبلاطة ونور شمس  والفوار، التي عبرت وتعبر عن نفسها بالتزويد المتبادل للأسلحة والذخائر، وبالعمليات المشتركة في إطلاق النار على مواقع العدو وحواجزه العسكرية، التي تجاوزت منذ مطلع العام  الحالي(1000) عملية إطلاق النار، وهذا الرقم لم يتحقق منذ اندلاع انتفاضة الأقصى ( 2000-2006).

ثانياً: استناد "عرين الأسود" وبقية كتائب المقاومة إلى حاضنة جماهيرية غير مسبوقة ومشتبكة مع الاحتلال لا متفرجة، ولعل بحر الجماهير بعشرات الألوف، الذي شاهدناه في وداع الشهيد تامر الكيلاني، والشهداء الخمسة، والشهيد ابراهيم النابلسي، وشهداء جنين يؤكد أن ما بوسع العرين ولا بقية الكتائب، أن تنجز هذا الكم من العمليات الفدائية في غياب هذه الحاضنة.

ثالثاً: أن الجيل الذي يقاتل في إطار ظاهرة المقاومة الحالية، ولد بعد اتفاقيات أوسلو وبعد الانتفاضة الثانية، وهذا الجيل يرفض بالمطلق اتفاقيات أوسلو ونهج المفاوضات، ويمتلك القدرة على توظيف أدوات التواصل الالكترونية في خدمة العملية النضالية.

رابعاً: أن مجموعات العرين وبقية الكتائب- حسب تصريحات دوائر العدو الاستخبارية- لم تحصر فعلها المقاوم في الضفة الفلسطينية والقدس، بل تجاوزتها باتجاه تفعيل المقاومة في مناطق 1948، حيث أعلنت أن العضو القيادي في عرين الأسود "تامر الكيلاني"- عضو الجبهة الشعبية والأسير السابق لمدة ثماني سنوات في معتقلات الاحتلال- مسؤول عن إيصال فدائيين لمدينة يافا لتنفيذ عمليات فدائية في عمق الكيان الصهيوني.

خامساً: أن مجموعات عرين الأسد وبقية كتائب المقاومة، أعادت الاعتبار للصراع للمربع الأول بأنه " صراع وجود وليس صراع حدود" وأعادت الاعتبار للميثاق ولخطاب المقاومة الاستراتيجي، معلنة بلغة بسيطة وغير منمقة، وبعيداً عن الفذلكات وبيانات المكاتب، أنها تستهدف تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني من النهر إلى البحر ومن رأس الناقورة حتر رفح، وهذا ما تبدى في رسالة الشهيد البطل "عدي التميمي" الصادقة قبل استشهاده التي يكشف فيها عن جوهر المقاومة المشتبكة من المسافة صفر مع الاحتلال، والتي ضمت الكلمات التالية "“أنا المطارد عدي التميمي من مخيم الشهداء شعفاط.. عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر، أعلم أني سأستشهد عاجلا أم آجلا، وأعلم أني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها وأنا أضع هدفا أمامي، أن تحرك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي”... وهذا ما تبدى أيضاَ في وصية ابراهيم النابلسي "الذي استحلف أبطال المقاومة بالله وبأعراضهم أن يحافظوا على البارودة لاستكمال مشوار التحرير" .

ما تقدم يؤكد أننا أمام انتفاضة مسلحة وجماهيرية، تتجاوز في أهدافها الانتفاضتين السابقتين "انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى" وهذه الانتفاضة مهددة من قبل الاحتلال عبر تصعيد عمليات القتل والاغتيال، حيث تجاوز عدد الشهداء منذ بداية العام الحالي وحتى تشرين أول ( أكتوبر ) الجاري  (170) شهيداً، ومهددة أيضاً من قبل أزلام التنسيق الأمني والأدوات التنفيذية للسلطة، التي تتولى مهمة مطاردة المقاومين واعتقالهم، ما يقتضي من فصائل المقاومة الحقيقية، وليس من فصائل الحمولة الزائدة  في منظمة التحرير أن تنخرط بشكل جدي في هذه الانتفاضة ، وأن تدعم  العمل على تشكيل إطار قيادي موحد للانتفاضة، وأن توفر سبل الدعم لها ، وأن تغادر حالة المراهنة على السلطة أن تغير من نهجها عبر بيان الجزائر أو غيره من البيانات، فالسلطة حزمت أمرها منذ أكثر من عقدين في رفض نهج المقاومة، خاصةً عندما أوكلت  للجنرال الأمريكي "كيت دايتون" تشكيل كتائب مهمتها الرئيسية إجهاض المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في الضفة الغربية.